أ. عبدالرحمن الغابري .. ولد في قرية القشعي بمديرية عتمة محافظة ﺫﻣﺎﺭ 1956م ..
انتقل الغابري من قريته إلى صنعاء نهاية الستينات، وهناك حصل على أول كاميرا روسية الصنع، وعمل كموظف في التوجيه المعنوي الذي أسس إرشيفه لاحقا، ثم حصل على فرصة لدراسة الإخراج في بيروت لبنان في العام 1975، صقل خلالها موهبته وشارك في تصوير أفلام تسجيلية عن الحرب منها “كفر شوبا النبطية”، و”مكان الولادة فلسطين”. وهي أفلام تحكي عن المخيمات وصبرا وشتيلا، واللاجئين ..
جمعته سنوات الشباب فنيا، بكل رؤساء اليمن ابتداء من أول رئيس للجمهورية اليمنية عبد الله السلال، حتى علي عبد الله صالح ..
عمل الغابري مصورا لسنوات طويلة في التوجيه المعنوي التابع للقوات المُسلحة، التقط أهم الصور للفعاليات السياسية، وخلال الثمانينات عمل مصورا للشرق الأوسط، كما اقترب من الواقع الثقافي فالتقط صورا لأبرز الفنانين منهم الفنانة الراحلة “مديحة الحيدري” والأدباء اليمنيين منهم الشاعر “عبد الله البردوني” الذي لحن له قصيدتين من أشعاره للأطفال، وهو يمتلك لهم صورا نادرة يعرضها في معارضه، ولسياسيين بارزين كالرئيس الأمريكي “كارتر” ومثقفين أيضا زاروا اليمن .. أطلق عليه الراحل عبدالكريم الإرياني بطل الزلزال السلمي بعد زلزال 1982 الذي ضرب مدينة ذمار
والغابري يعتبر احد مؤسسي نقابة الصحفيين، وله من المعارض الشخصية الفوتوغرافية في الداخل والخارج ما يزيد على 69 معرضا
من أجمل ماكتب عنه .. ماكتبه الزميل فتحي أبو النصر ..
( أكثر من مليون صورة، يحتفظ بها في أرشيفه، المصور اليمني عبد الرحمن الغابري، تمثل ثروة هامة، استخلصها طوال مسيرته الابداعية من منجم الوجوه والاماكن التي لا تنضب.
والماثل ان أعماله ومقتنياته البصرية العابرة للأزمان، تصلح كي تكون متحفاً انثروبولوجياً، لأشياء ومكنونات يمنية مختلفة، تبدأ بالعمارة ولا تنتهي عند الازياء، مروراً بشتى اضافات التاريخ على الشخصية اليمنية، والمكان النوعي اليمني. هذه التجربة الرائدة بلغتها المستوعبة للأرشيفات، كما بطاقتها النابضة بالإنسان وبالبيئة وبتحولاتهما كذلك، تمثل في مخرجاتها كنزاً حقيقياً لانطواء مدخلاتها على مغامرات معرفية جوهرية، لفنان ليست غايته مجرد التوثيق النمطي، وإنما الخلق الفني المتراكم بالخبرات وبالمعنى، من الناحيتين السيوسيولوجية والابتسمولوجية.
ومع ان التلقائية مادتها الخام؛ إلا أن أعمال الغابري تنتمي الى الهوية الثقافية اليمنية وتمثلاتها الرمزية، اضافة الى استراتيجية عين الرائي المتفاعلة في دلالات معرفية بالغة التنوع، لها ان تحفظ وتصون وجدان اليمنيين الجمعي من التلف المباشر والحثيث. والشاهد ان فوتوغرافيات الغابري توسع مخيلاتنا، كما يحيطها الشعر من كل جانب. إذ تعيد طرح الاسئلة، إلا انها تفسر عجز اللغة، بمقدار ما تثير انفعالات مطمورة ذات ادراكات شاسعة وتائهة في آن. بمعنى انها فوتوغرافيات وديعة، تمارس الاحتجاج كله. فوتوغرافيات تقتفي آثار انسان ما، ترك فينا سره الغامض الحميم، واعتقدنا أنه مضى، لكنه مازال يقتفي معنا آثاره، مشرعاً على الحب والحرية والسلام.
وفي الوقت الذي يتسم فيه فن التصوير بالندرة يمنياً، استمرت اعمال الغابري مشحونة بالعاطفية وبتمثيلاتها العميقة، معززة في السياق، لمسيرة فنان صاحب وعي ثري وماهر في تصيد اللحظات المنفلتة، ليمنحها تاريخاً مستقبلياً لا ينتهي.
يؤمن الغابري بالحداثة، بالقدر الذي يؤمن فيه بالهوية اليمنية، وداخل هذه البنية الفكرية، تتسق جيداً قيمتا الأصالة والمعاصرة بشكل ادهاشي عميق. فلقد جاء جيل فوتوغرافي يمني جديد بعد الغابري، إلا ان أغلبهم بلا حس وبلا روح. بينما وحده الغابري استمر كمدرسة استثنائية عريقة تلامسنا اعماله في الصميم، جيلاً بعد آخر.
وفي مجتمع يفيض بالأصولية الدينية التي تخاصم فن التصوير وتحتقره، استطاع الغابري الصمود والثبات والزهو بفنه تماماً. إنه ابن القرية الذي لديه احساس عال بالمدينية، الفلاح المتحدر من اسرة تعرف قيمة الارض، مازال يتغنى ببهاء اليمن تاريخاً وحضارة دون كلل، والفلاش وسيلته الوحيدة لا نتاج سعادته الخاصة.
يعتز الغابري بالمرأة الريفية وعظمتها وهي تقهر الطبيعة، كما يعيش حياته وهو في عقده السابع بشكل فني ملفت؛ بحيث يعتني بأناقته وبقيافته، معتداً بإرادته الحيوية للحياة، ومتخففاً على نحو نادر من وطأة التورط بالعمر الثقيل في بلد يقصف العمر، وبالمقابل، يبرع في استفزاز اصدقائه ومحبيه من الشباب المهمومين والمحبطين، عبر اتكائه الساحر على قدرته المتألقة في خلق الامل والبهجة.
مبكراً؛ أراد ان يكون مخرجاً سينمائياً، لكنه تعثر في هذا المسعى الصعب في بلد كاليمن. وبالرغم من ذلك ظلت الطاقة السينمائية هي بؤرة احترافه الفوتوغرافي. كما بشكل استثنائي، تفرد الغابري بالبحث عن اليمن المفقودة، إذ انه بسيارته العتيقة جاب كل اليمن بحثاً عن الجمال المتجذر والمتعدد، منحازاً الى الاصل والى الشغف معاً.
ففي كل رحلة، كان يتمكن من استعادة عافيته كفنان، كما بنبالة ملحمية، يستشف ماهية تفاصيل رحلاته المنقولة الى منتجاته البصرية بشكل آخاذ وفاتن "يطرب سامعيه ويسيل لعابهم" إذا جاز التعبير. والمعلوم ان الغابري ظل لفترة طويلة، مصوراً رسمياً في أروقة الدولة، ومقرباً من رجالاتها النافذين، لكنه لم يخضع لهذا المناخ الخانق على مستوى المضمون والمحتوى كفنان، بحيث استمر غير متوائم مع الفلاشات المقولبة والمنمطة، وفي نهاية المطاف تمكن من النجاة واتقان حريته التي يهواها ويقاتل من أجلها.
وللغابري العديد من التجارب التجريبية النابهة في الاضاءة والتكوين والمعالجات الرقمية. لكن الفنان المتمكن من ادواته لم يستسغ حظائر الاكاديميات، فتعلم من الكاميرا مباشرة، فضلاً عن الاستديو المنزلي الذي قام بإنشائه بجهد ذاتي ملحوظ.
والمفارقة ان الغابري المولع بالعادات والتقاليد اليمنية الموروثة، هو الذي لا يمضغ القات أبداً ويراه سبب تخلف اليمنيين حضارياً. وبما ان القيمة العليا لفن التصوير الفوتوغرافي تكمن في تثبيته للزمن داخل اطار، لنا ان نستوعب تمسك الغابري بوعيه التام في تقويض سلطة الزمن كما تمنى.
وعليه؛ يمكننا وصف الغابري كمصور محترف ومرموق، بأنه العين التي لا تهدأ، والمرآة البصرية المتحرشة، والحدس الذي يعرف كيف يتمثل جرسيات العين وذبذباتها، فضلاً عن انه روح العدسة
تعليقات
إرسال تعليق